تصفح جريدة شعلة

24 ساعة

الرئيسية » إفتتاحية » “الحِجْر: سجن بلا جدران في عصر الحرية”.

“الحِجْر: سجن بلا جدران في عصر الحرية”.

شعلة : افتتاحية

في عالم يُفترض أن تتصدره قيم الحرية والكرامة، ما زالت هناك حالات تتحول فيها مجموعات من الناس إلى أدوات طيّعة في يد أشخاص نافذين، يتم التحكم بهم بأسلوب يضمن لهم الحد الأدنى من المأكل والمشرب وأشياء أخرى مقابل الخضوع التام. هذه العلاقة القائمة على الإذلال والإخضاع تكشف عن شكل من أشكال الحجر الذي لا يتطلب سجونًا ولا قيودًا مرئية، لكنه يقيد الإرادة والكرامة بشكل أشد قسوة.

الحجر هنا ليس مجرد إجراء قانوني يُفرض لحماية فاقدي الأهلية، بل هو ظاهرة اجتماعية وسياسية يُسلب فيها الأفراد حريتهم ليخدموا مصالح طرف نافذ. يتم استغلال الخوف، ضعف الوعي، وحتى فتات الامتيازات لإخضاعهم وإبقائهم في حالة من التبعية المهينة. هؤلاء الأفراد يتحولون إلى أمثلة حية على الخضوع، وسط صمت مجتمع يراقب ويستغرب: كيف لإنسان أن يقبل بهذه المهانة في عصرٍ أصبح فيه الوعي والتكنولوجيا أدوات للتحرر؟ وما يزيد الأمر وضوحًا أن هذه الفئة، رغم محاولاتها إظهار العكس، قد سقطت في أعين الناس، حيث بات المجتمع يفهم حقيقتها حتى وهي تحاول التظاهر بعكس ذلك.

في زمن الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية، تبدو هذه الأنماط البالية من العلاقة بين “العبد والسيد” نشازًا يثير التساؤلات. لقد وفرت التكنولوجيا فرصًا غير مسبوقة للوصول إلى المعرفة، التعبير عن الذات، والبحث عن سبل التحرر من أي نوع من السيطرة. لكن المشكلة تكمن في غياب إرادة التغيير لدى الأفراد المحجور عليهم، حيث يقبلون بالأمر الواقع، إما خوفًا أو استسلامًا لفكرة أن الوضع لن يتحسن.

إن التحول يبدأ من الداخل، من إدراك الذات وقيمتها، ومن رفض الرضوخ لأي شكل من أشكال الهيمنة. الكرامة لا تُباع ولا تُشترى، بل تُنتزع بالإصرار على الحق في العيش بكرامة واستقلالية. في عالم تغيّر فيه الزمن، لم يعد الخضوع خيارًا مقبولًا. التحرر أصبح ضرورة، والفرص متاحة، والمجتمع بات أكثر وعيًا وإدراكًا لحقيقة الأمور. يبقى السؤال: متى يقرر المحجور عليهم كسر قيودهم وإثبات قدرتهم على العيش بحرية وكرامة؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.