
الرحامنة…هل بتعبيد الطريق نحو دوار أولاد اعمر لمحرة، تُسْتَعَادُ أمجاد قلعة النضال والعلم بالمنطقة؟
شعلة
أعلن رئيس جماعة المحرة، مراد الصفياوي، عبر حسابه الفيسبوكي عن انطلاق مشروع تعبيد الطريق الرابطة بين الطريق الإقليمية 2108 ودوار أولاد اعمر عبر لعقوبية، بفضل جهود عامل إقليم الرحامنة، رئيس جماعة المحرة، والمكتب الشريف للفوسفاط، وبدعم من مؤسسة العمران. وتأتي هذه المبادرة في سياق فك العزلة عن هذا الدوار العريق، الذي كان يومًا منارة للعلم وقلعة للنضال ضد الاستعمار، لكنه شهد خلال العقود الأخيرة موجة هجرة كبيرة نتيجة الجفاف وغياب البنية التحتية والخدمات الأساسية، مما أثر على الحياة الاقتصادية والاجتماعية لسكانه.
وقد عرف دوار أولاد اعمر تراجعًا حادًا في عدد سكانه، حيث تقلصت المساكن من أكثر من 300 مسكن في السبعينيات والثمانينيات إلى أقل من 100 مسكن حاليًا. يعود ذلك إلى الظروف الاقتصادية الصعبة، ونقص فرص العمل، وتدهور الخدمات الأساسية، مما دفع العديد من العائلات إلى مغادرته بحثًا عن حياة أفضل في المدن والمراكز الحضرية القريبة.
ولا شك أن تعبيد الطريق سيساهم في تسهيل تنقل السكان وربط الدوار بالمراكز الحيوية، مما قد يشجع بعض العائلات على العودة، كما قد يفتح المجال أمام الاستثمار في مجالات مثل الفلاحة والسياحة القروية، مما قد يخلق دينامية اقتصادية جديدة في المنطقة. غير أن السؤال المطروح هو: هل تعبيد الطريق وحده كافٍ لإعادة الحياة إلى دوار أولاد اعمر؟
ونظرًا لاعتباراته التاريخية، تم إدراج الدوار ضمن برنامج القرى النموذجية الذي أطلقته مؤسسة الرحامنة للتنمية المستدامة بشراكة مع شركة العمران وعمالة إقليم الرحامنة سنة 2010، وهو مشروع طموح كان يهدف إلى تحسين البنية التحتية، وتوفير الخدمات الأساسية، وإعادة تأهيل المجال القروي. شمل هذا البرنامج إنشاء قنوات الصرف الصحي، تبليط واجهات المساكن، وإقامة بعض المساحات الخضراء. غير أن تعثر تنفيذ المشروع بسبب ضعف الموارد المالية، وارتفاع تكاليف المواد الأولية، خاصة بعد جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، حال دون تحقيق الأهداف المرجوة، مما جعل العديد من الأشغال غير مكتملة أو غير كافية لإحداث تغيير جذري في حياة الساكنة.
إذا كان تعبيد الطريق نحو دوار أولاد اعمر، الذي كان في السبعينيات والثمانينيات من أكبر التجمعات السكنية بالإقليم، خطوة ضرورية لفك العزلة، فإن استعادة مجده الضارب في عمق التاريخ تحتاج إلى رؤية تنموية متكاملة. أول هذه الخطوات يجب أن تركز على تحسين التعليم، خاصة أن الدوار كان السبّاق إلى بناء أول مدرسة في المنطقة بسواعد أبنائه وبمواد تقليدية، لكنها تحولت اليوم إلى أقسام مفككة لا تزال قائمة رغم الشعارات الرسمية حول تطوير التعليم في العالم القروي. كما أن دعم الفلاحين وتشجيع الاستثمار في مشاريع اقتصادية محلية يمكن أن يخلق فرص شغل تعيد الحيوية للمنطقة. ولا يمكن الحديث عن تنمية دون تحسين الخدمات الصحية، وتوفير مرافق تعنى بالمرأة والطفل والشباب بصفة عامة.
يمثل تعبيد الطريق بداية مشجعة، لكنه يظل خطوة أولى فقط في مسار طويل يحتاج إلى تضافر جهود مختلف المتدخلين لتحقيق تنمية حقيقية ومستدامة. فدوار أولاد اعمر، الذي كان يومًا نموذجًا في النضال والعلم، أصبح اليوم في حاجة ماسة إلى مشاريع تنموية حقيقية تعيد له مكانته التاريخية والاجتماعية. فهل يكون هذا المشروع نقطة تحول نحو مستقبل أفضل، أم مجرد إجراء رمزي لا يغير واقع المنطقة؟