
المآثر التاريخية والمنشآت الثقافية بالرحامنة المهملة تضع الوزير المهدي بنسعيد أمام المساءلة.
شعلة.
في قلب إقليم الرحامنة، تستوطن شواهد تاريخية تعود إلى زمن الموحدين، شاهدةً على عبقرية أجدادنا وثراء إرثنا الحضاري. هذه المآثر، التي تشمل قنطرة اليعقوبية، ومدينة الصافي المدفونة بجماعة أولاد املول، وخزانات المياه بسيدي بوعثمان وجماعة الجبيلات، بالإضافة إلى الكم الهائل من المطفيات المنتشرة هنا وهناك، تقف اليوم على حافة النسيان، مهددة بالاندثار بسبب غياب التدخل والصيانة من وزارة الثقافة والجهات المعنية.
قنطرة اليعقوبية، التي لطالما مثلت رمزًا للتواصل وربطت بين ضفتي التاريخ والحضارة، ليست مجرد معبر حجري، بل تجسيدٌ للإبداع الهندسي الذي ميز زمن الموحدين. على الرغم من قيمتها الرمزية والمعمارية، فإنها تُركت عرضةً للتآكل والتدهور، دون أن نرى أي جهود حقيقية من الوزارة لإعادة تأهيلها. هل يعقل أن يكون إرث بحجم قنطرة اليعقوبية في طي النسيان تحت أعين وزارة الثقافة؟،أما مدينة الصافي، المدفونة تحت تراب جماعة أولاد املول، فهي كنز أثري ينتظر الكشف عنه. هذه المدينة، التي قد تحمل في طياتها أسرارًا عن حقب زاخرة بالتاريخ والثقافة، لا تزال مهملة تمامًا. لماذا لم نشهد أي مبادرة تنقيب أو دراسة لإحياء هذا التراث؟ هل أصبح التاريخ عبئًا على وزارة الثقافة بدلًا من أن يكون فرصة لإثراء المشهد الثقافي والسياحي؟
ولا يمكن تجاهل الخزانات القديمة والمطفيات، التي كانت نموذجًا فريدًا لإدارة الموارد المائية في بيئة قاسية. هذه المنشآت، التي تقدم دروسًا ملهمة في الاستدامة، تعاني اليوم من الإهمال، دون أي جهود جادة للحفاظ عليها أو استغلالها كجزء من هوية الإقليم الثقافية،ولا يقف الإهمال عند المآثر التاريخية فقط، بل يمتد إلى المؤسسات الثقافية الحديثة، وعلى رأسها المركز الثقافي بمدينة ابن جرير. هذا المركز، الذي كان من المفترض أن يكون منبرًا للإبداع والتنمية الثقافية، يعاني منذ افتتاحه من غياب المرافق الصحية بسبب مشاكل بالربط بالماء، مما يطرح تساؤلات جدية عن جدوى مثل هذه المشاريع إذا لم تُستكمل بالشكل اللائق. كيف يمكن لوزارة الثقافة، بقيادة المهدي بنسعيد، أن تروج للتنمية الثقافية وهي تُهمل أبسط متطلبات مراكزها؟
إن هذا الإهمال لا يقتصر على الجانب التاريخي أو الثقافي فقط، بل يحرم سكان الإقليم من فرص تنموية حقيقية. إعادة ترميم هذه المعالم وصيانتها يمكن أن تحول الرحامنة إلى وجهة سياحية وثقافية مزدهرة، تُسهم في خلق فرص عمل، وتنعش الاقتصاد المحلي، وتعيد للأهالي ارتباطهم بجذورهم التاريخية.
معالي الوزير المهدي بنسعيد، التاريخ لا يرحم من يفرط فيه. إنقاذ مآثر الرحامنة ومؤسساتها الثقافية هو مسؤوليتكم المباشرة، ومسؤولية وزارتكم التي ننتظر منها مبادرات ملموسة بدلًا من الوعود التي ظلت حبرا على ورق. فهذه المعالم ليست مجرد حجارة، بل جزء من هوية هذا الوطن، وأي تقاعس في حمايتها هو تقاعس عن حماية ماضينا ومستقبلنا.