
الأحزاب المغربية: البركة يعيد فتح النقاش حول ازدواجية الخطاب بين دغدغة المشاعر وخدمة المصالح
شعلة
مع اقتراب كل موسم انتخابي، تدخل الأحزاب السياسية المغربية في سباق محموم نحو تخدير المواطن المغربي بشتى الوسائل لضمان الفوز بالمقاعد التي تمنحها مفاتيح السلطة، سواء على مستوى الحكومة أو المجالس الجهوية والإقليمية والجماعية، وحتى غرف التجارة والصناعة. يتكرر هذا المشهد بشكل متواصل، حيث يتم تهميش الكفاءات وأصحاب النزاهة لصالح من يملكون المال و السلطة و الجاه، وكأن العمل السياسي في المغرب تحول إلى بورصة يتم فيها بيع التزكيات لمن يدفع أكثر، بغض النظر عن مؤهلاته أو قدرته على خدمة الصالح العام.
المفارقة الصادمة أن هذه الأحزاب نفسها، التي تفتح أبوابها على مصراعيها أمام رجال المال لضمان مكاسبها الانتخابية، هي ذاتها التي لا تتردد في الترويج لشعارات النزاهة والشفافية والاعتماد على الكفاءات. في المهرجانات الخطابية والندوات السياسية، يخرج قادتها بخطابات مثالية يدّعون فيها محاربة الفساد والدفاع عن حقوق المواطنين، بينما هم في الواقع أول من يكرّس هذه الظواهر ويستفيد منها.
الأكثر وقاحة أن بعض هؤلاء القادة لا يكتفون بازدواجية الخطاب، بل يمارسون النفاق السياسي بأبشع صوره. تراهم داخل الحكومة، أو على رأس المجالس المنتخبة، يتخذون قرارات تزيد من معاناة المواطنين، من ارتفاع الأسعار إلى تدهور الخدمات الصحية والتعليمية، ثم يظهرون في الإعلام وكأنهم مجرد معارضين لا يد لهم فيما يجري. ينددون بارتفاع المعيشة الذي كانوا هم من أسبابه، ويتحدثون عن تدهور القدرة الشرائية وكأنهم لم يكونوا جزءًا من القرارات التي ساهمت في هذا الوضع.
لم يعد هذا السلوك مجرد انحراف سياسي، بل صار قاعدة راسخة في المشهد الحزبي المغربي. فالأحزاب التي كان يُفترض أن تكون صوت الشعب تحولت إلى أدوات في يد لوبيات المال والنفوذ، لا يهمها سوى حصد المقاعد، ولو على حساب المبادئ والقيم التي تدّعي الدفاع عنها. كيف يمكن لحزب يرفع شعار محاربة الفساد أن يمنح التزكية لمفسدين؟ وكيف لحزب يزعم الدفاع عن الفئات الهشة أن يضم في صفوفه رجال أعمال لا تربطهم أي علاقة بمعاناة المواطن البسيط؟
الأخطر أن هذه الأحزاب لم تعد تجد أي حرج في تناقضاتها الصارخة، فهي تراهن على ضعف الذاكرة السياسية للمواطن المغربي، معتقدة أنه يمكنها في كل استحقاق انتخابي إعادة المسرحية نفسها وإقناعه بالأكاذيب ذاتها. لكن إلى متى؟ هل سيظل المغاربة رهائن لهذا العبث السياسي؟ أم أن لحظة الوعي والمحاسبة تقترب، ليلفظ الشعب هذه الأحزاب الانتهازية التي لا ترى في السياسة سوى وسيلة لتحقيق المصالح والمكاسب؟
ما يجعل هذا الواقع أكثر وضوحًا هو الخرجات الإعلامية المتناقضة لبعض القيادات الحزبية، كما فعل نزار بركة في منطقة اولاد فرج يوم أمس، حين انتقد بشدة الغلاء الذي يثقل كاهل المواطن، رغم أنه أحد أعضاء الحكومة التي تتحمل المسؤولية المباشرة في هذا الوضع. هذا المثال وغيره يكشف أن النفاق السياسي لم يعد استثناءً، بل أصبح القاعدة التي تحكم الممارسة الحزبية في المغرب، خصوصًا مع اقتراب المواعيد الانتخابية، حيث يتحول الجميع فجأة إلى مدافعين عن الشعب بعدما كانوا بالأمس صناع معاناته.