
حين يتوقف الزمن…ايت الطالب بالرحامنة صورة اخرى لمغرب منسي ، مجرد ارقام في سجلات الدولة.
شعلة
لم أكن أتصور يوماً أن أرى بأم عيني ساكنة مغربية تعيش كل أشكال الإقصاء والتهميش، وتُكابد مرارة الذل والمهانة في وطنها، لا لذنب اقترفته سوى أن المسؤولين الذين يفترض فيهم الدفاع عن حقوقها اختاروا إدارة ظهورهم، تاركينها تواجه مصيراً بائساً وحدها.
الأمر يتعلق بـ 14 دواراً تابعاً لجماعة أيت الطالب بقيادة بوشان بإقليم الرحامنة: (الطويليع، سي حسينة، التويجرات، البحيحات، أولاد أحمد الطواف، الكواي، حسناء، عزيب الشيخ، حميدوش، خيام أهل لعروصي، العزابة، السمامدة، أولاد بلة، العوفات وأهل أعيش). دواوير محاصرة كلياً، معزولة عن العالم وكأنها خارج التاريخ والجغرافيا.
رحلة قصيرة لا تتجاوز 30 كيلومتراً تتحول إلى محنة تستغرق أكثر من ثلاث ساعات بسبب مسالك وعرة مليئة بالحفر والحجارة، وقناطر متهالكة تهدد حياة الناس صباح مساء وعلى امتداد فصول السنة.
إنها عزلة قاتلة دفعت العديد من الأسر إلى الهجرة نحو المدن بحثاً عن كرامة مفقودة. أما من اختار الصمود والتشبث بالأرض، فظل يعاني الأمرّين: سيارات الإسعاف لا تصل إلا بعد فوات الأوان، النقل المدرسي لا يستطيع التعايش مع هذه المسالك، مما يجعل الهدر المدرسي يتفاقم بشكل مخيف، ناهيك عن أبسط متطلبات الحياة الكريمة المرتبطة أساساً بوجود طريق في المستوى.
ولو تفضل أي مسؤول بزيارة هذا المقطع الطرقي، لوقف بنفسه على حجم المعاناة التي تنخر جسد هذه الساكنة يومياً، ولسقطت كل الأقنعة عن الخطابات الرسمية التي تتغنى بالبرامج التنموية. فهل يُعقل أن تظل مطالب المواطنين مرتبطة فقط بالحملات الانتخابية؟ وهل يُعقل أن تُنعت الساكنة بأنها تسعى لحملة انتخابية لمجرد أنها تطالب بحقها في فك العزلة؟
إن ما تعيشه أيت الطالب اليوم يدخل، وبكل صراحة، فيما أشار إليه جلالة الملك في خطابه الأخير حين أكد أن المغرب يسير بسرعتين. غير أن سرعة هذه المنطقة متوقفة تماماً، تنتظر الفرج الذي قد يأتي أو قد لا يأتي. وبعد زيارتنا لها، لم نلمس أي علاقة بين هذه الدواوير ومغرب المونديال، مغرب البراق والمشاريع الصناعية الكبرى؛ هنا مغرب آخر، بعيد كل البعد عن الصورة اللامعة التي تُعرض للعالم.
وفي اتصال هاتفي مع رئيس الجماعة عبد الرحيم كحوان، اكتفى بالقول ان خروج الساكنة للمطالبة بفك العزلة “ مجرد حملة انتخابية سابقة لأوانها ”، مضيفاً أن جميع دواوير الجماعة تعاني من الوضع نفسه، وأن هناك 52 دواراً بالجماعة، معتبراً أن الإصلاح يتم “وفق المستطاع” في انتظار أن يحين الدور. لكن كلام الرئيس لا يعدو أن يكون محاولة يائسة للتغطية على فشل جماعته في أبسط مهمة: توفير طريق لائقة تحفظ كرامة المواطنين اليوم قبل الغد.
إن الساكنة هنا لم تعد تؤمن لا بالشعارات ولا بالانتظار، فهي لم ترَ شيئاً سوى الوعود الفارغة والواقع البئيس. أما تعليق الفشل على شماعة “الانتخابات” فلم يعد يقنع حتى الأطفال، لأن التنمية الحقيقية لا تحتاج إلى حملات انتخابية، بل إلى ضمير حي وإرادة مسؤولة.
من قلب هذه الدواوير، توجه الساكنة عبر جريدتنا نداءً عاجلاً إلى عامل إقليم الرحامنة ووزارة الداخلية للتدخل الفوري وفك العزلة عن منطقة تعيش خارج أجندات التنمية. الساكنة هنا لا تطلب المستحيل، بل طريقاً يحفظ كرامتها ويؤكد أنها جزء من هذا الوطن، لا مجرد رقم منسي في سجلات الدولة.
ربورتاج بالصوت و الصورة في الموضوع قريبا.